تذكاران من الرئيس عباس الى خادم الحرمين


تم النشر 23 يونيه 2016


عدد المشاهدات: 1473

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


أحوال البلاد

 

يتبدى من خلال صور الهديتين التذكاريتين، اللتين قدمهما رئيس السلطة محمود عباس الى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز؛ أن الأمور الفلسطينية، حتى على مستوى التعبير ورمزياته، تعود القهقرى وتتدنى الى القاع.  كان الإطار التذكاري الأول، لصورة أو رسم لقبة الصخرة من جانب المسجد الأقصى، وهذه مكررة في الإهداءات العائلية. أما في الإهداءات الرسمية، فقد تكررت خلال نصف القرن الأخير، بما يزيد عن تكرار مقررات القمتين العربية والإسلامية، بل إن من بين طرائفها حكاية الرئيس الشهيد ياسر عرفات، مع رئيس عربي. فلكثرة ما صال وجال، فيما هو يتواصل مع مناصري قضيتنا ومع المترددين في نصرتها؛ كان "الختيار" يحمل معه صور الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة،  مؤطرة أو مجسمة بالصدف. لم يسقط منه سهواً سوى المعبد البهائي في حيفا. ذات يوم، نسي أنه قدم الهدية لأحد الرؤساء ثلاث مرات، ابتسم المتلقي وقال بارك الله فيكم وكان في عونكم.

تلك الواقعة، تصلح مدخلاً للحديث عن الإطار التذكاري الثاني، وهو نسخة قديمة من صحيفة باليستاين بوست التي صدرت في بلادنا، باللغة الإنجليزية الثلث الأول من عقد الثلاثينيات.  وقبل أن نعرض لأصل وفصل بالستاين بوست، ننوه الى الفكرة الأهم، وهي ضرورة أن تكون هناك لجنة من النخبة الفلسطينية الفكرية والثقافية، ومن الفنانيين التشكيليين والتجريدين، يكون لها سجلاتها وذاكرتها، لكي تجهز الهدايا التذكارية، في حال ارتضت أن تعمل في إدارة الرئيس عباس، وتضع عليها بصمة ذات معنى، لكي لا يحيلها متلقيها الى المخازن.

النسخة المؤطرة من صحيفة باليستاين بوست، عندما يقدمها رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس السلطة، الى ملك أو رئيس، نكون قد وصلنا الى قاع التردي وفقدان العقل ومجافاة التاريخ واحتقار الثقافة. فالصحيفة هي جدة "جيروزاليم بوست". ومثلما يعلم الجميع، إن الحفيدة هذه، هي شقيقة "معاريف" ويملك الصحيفتان إيلي آزور. أما الجدة "باليستاين بوست" التني أهدى عباس نسختها القديمة الى العاهل السعودي، فهي إحدى ثمرات التواطؤ بين الصهيونية الأمريكية وصديقتها البريطانية التي وقف على رأسها هربرت صموئيل في فلسطين. فقد أسس الصحفي اليهودي الأمريكي الصهيوني جاكوب لاندو في العام 1925 وكالة التلغراف اليهودية، كأول شركة إعلامية صهيونية، وشاركه فيها غيرشون أغرونيسكي أو أغرون مثلما سمي فيما بعد، وهو الصحفي اليهودي الأوكراني الذي حمل السلاح مع المنظمات الإرهابية في فلسطين.  أصدر الرجلان في البداية صحيفة اسموها باليستاين بوليتين، ثم عدلوا الاسم الى باليستاين بوست، وكانت قضية تلك المطبوعة، هي الدعم الإعلامي لليهود في سعيهم الى إقامة وطن في فلسطين، ومناهضة السياسة البريطانية التي تقيد الهجرة اليهودية كما زعموا. كانت مكاتب الصحيفة في بناية مخصصة للصحف ووكالات الأنباء اليهودية التابعة للهاغناه, لذا وافق الشهيد عبد القادر الحسيني، في فبراير 1948، على إرسال سيارة بوليس بريطاني مسروقة، الى البناية محملة بنصف طن متفجرات. كان ذاك التفجير، أسلوباً جديداً، أدخلته الهاجناه الصهيونية الى بلادنا، ثم ذاقت الهاجناه نفسها بعض الآمه، لدرجة أنها ركزت على خبير متفجرات فلسطيني يدعى فوزي ويلقب بــ "المهندس" باعتباره تلقى تدريباً على أيدي النازيين الألمان.

بعد النكبة وتأسيس إسرائيل، أطلق المحتلون على الصحيفة، اسم "جيروزاليم بوست".

لقد كان من دواعي التقدم في الوعي التاريخي، أن نكف عن تأطير الجنية الفلسطيني، الذي يعامل اللغة العبرية كلغة رسمية جنباً الى جنب مع العربية والإنجليزية، لأن ذلك الجنيه ومعه القطع المعدنية، كان موضع صراع بين النخب الفلسطينية والبريطانيين، لأنه جاء دلالة على بدء عملية التمكين للصهيونية. أما عندما لا نكف عن الزهو بالجنيه الفلسطيني الذي اصدره الانتداب البريطاني، ثم نزيد فنجعل صحيفة باليستاين بوست، قبساً من نور فلسطين وتاريخها، فنقدمها لرؤساء الدول وملوكها، فمعنى ذلك أن أمور الإدارة السياسية في بلادنا وصلت الى الحضيض، ولم تعد قادرة على مطالعة عناوين التاريخ أو علائم الحاضر!  




- انشر الخبر -