التذكير بما للدعاء من فضلٍ كبير


تم النشر 26 مايو 2016


عدد المشاهدات: 3022

أضيف بواسطة : عبدالعال محمد


التذكير بما للدعاء من فضل كبير



الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إنَّ دعاء رب الأرض والسموات أيها الإخوة والأخوات لهو من أفضل القربات، و أشرف الطاعات، وأرفع العبادات التي تُقربنا من رب البريات، فعن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:" الدُّعَاءُ هو الْعِبَادَةُ ". رواه الترمذي (3247) وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله- .
يقول الإمام الشوكاني – رحمه الله- :"هذه الصفة المقتضية للحصر من جهة تعريف المسند إليه، ومن جهة تعريف المسند، ومن جهة ضمير الفصل تقتضي أن الدعاء هو أعلى أنواع العبادة وأرفعها وأشرفها".تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين ( ص 33)
لأنه طريق الصالحين،ومَسلَك المتقين،ومطيةُ العارفين برب العالمين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-:"إذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه دعاءه والاستعانة به،وجعل استعانته ودعاءه سببا للخير الذي قضاه له".اقتضاء الصراط المستقيم(ص 358)
وهو أيها الأفاضل سلاح المؤمن وزاده في دنياه حيث يلجأ إليه لجلب ما فيه سعادة وخير، ودفع كل ضرر وشر بإذن وعون العزيز المقتدر، يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-:"الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يَدفَعُهُ ويُعَالِجُهُ، ويمنع نزوله، ويرفعُهُ أو يخفِّفُه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن".الجواب الكافي (ص 5)
والقائم به أيضا أيها الأحباب يُحقق ما أمره به العزيز الوهاب،حيث قال الكريم التواب:(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله- : "هذا من فضله، تبارك وتعالى، وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه، وتكفل لهم بالإجابة".تفسير ابن كثير (4/86)
ويقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :"هذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم ". تفسير السعدي (ص740)
فالموفق من العباد من يسر له العليم الكريم تحقيق هذا العمل العظيم،والمحروم هو من عجز عن دعاء الخبير العليم، فعن أبي هريرة– رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:" أَعْجَزُ النَّاس من عَجَزَ عن الدُّعاء". رواه ابن حبان (4498) ، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (601)
يقول المناوي – رحمه الله- :"(أَعْجَزُ النَّاس ) أي من أضعفهم رأيا وأعماهم بصيرة (من عَجَزَ عن الدُّعاء) أي الطلب من الله تعالى لاسيما عند الشدائد لتركه ما أمره الله به، وتعرضه لغضبه بإهماله ما لا مشقة عليه فيه ". فيض القدير (1/350)
ومع ما باء به هذا العاجز من الحرمان والخسران فسيلحقه أيضا الغضب من العزيز الرحمن ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عليه ". رواه الترمذي (3373)، وحسنه الشيخ الألباني - رحمه الله-.
يقول المباركفوري – رحمه الله- :"لأن ترك السؤال تَكبُّرٌ واستغناءٌ، وهذا لا يجوز للعبد ".تحفة الأحوذي ( 9/221)
ويقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :"وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته، وإذا رضي الرب تبارك وتعالى فكل خير في رضاه كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه ". الجواب الكافي ( ص 9)
ويقول الإمام الشوكاني – رحمه الله- :"الدعاء من العبد لربه من أهم الواجبات وأعظم المفروضات، لأن تجنب ما يَغضب الله منه لا خلاف في وجوبه".تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين ( ص 36)
فالعاقل اللبيب أيها الأحبة هو من يحرص على دعاء ربٍّ كريمٍ الذي من أسمائه جلَّ وعلا القريب المجيب، حيث قال جل وعلا :( إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ) [هود : 61]
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :"{ فَاسْتَغْفِرُوهُ } مما صدر منكم، من الكفر، والشرك، والمعاصي، وأقلعوا عنها، { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } أي: ارجعوا إليه بالتوبة النصوح، والإنابة، { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } أي: قريب ممن دعاه دعاء مسألة، أو دعاء عبادة، يجيبه بإعطائه سؤله، وقبول عبادته، وإثابته عليها، أجل الثواب". تفسير السعدي (ص683)
أليس أجدر بعبد ضعيف عاجز أيها الأفاضل أن يلجأ دائما إلى من حثه على سؤاله ووعده تكرما وفضلا منه سبحانه بالإجابة ؟، حيث قال تعالى :{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } [ النمل :62].
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- : "أي: هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء أي: البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض يمكنكم منها ويمد لكم بالرزق ويوصل إليكم نعمه وتكونون خلفاء من قبلكم كما أنه سيميتكم ويأتي بقوم بعدكم أإله مع الله يفعل هذه الأفعال؟ لا أحد يفعل مع الله شيئا من ذلك حتى بإقراركم أيها المشركون، ولهذا كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم أنه وحده المقتدر على دفعه وإزالته، { قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } أي: قليل تذكركم وتدبركم للأمور التي إذا تذكرتموها ادَّكرتم ورجعتم إلى الهدى، ولكن الغفلة والإعراض شامل لكم فلذلك ما ارعويتم ولا اهتديتم". تفسير السعدي (ص608)
يقول ابن القيم – رحمه الله-:
وَهُوَ الْمُجيب يَقُول من يَدْعُو أجبه
أَنا الْمُجيب لكل من نــاداني
وَهُوَ الْمُجيب لدَعْوَة الْمُضْطَر إذ
يَدعُـوهُ فِي سر وَفِي إعــلان ". النونية ( ص108)
ويقول الإمام الخطابي – رحمه الله- :" هو – أي سبحانه- الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويغيث الملهوف إذا ناداه ". شأن الدعاء ( ص72)
إنَّ على الداعي أيها الكرام إذا أراد أن يَقطف بإذن العزيز العلام ثمرة هذه العبادة الجليلة أن يجتنب كل ما يقدح فيها من المعاصي والآثام، فعن أبي هريرة– رضي الله عنه- أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ:يا رَبِّ، يا رَبِّ،وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ،وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ ". رواه مسلم (1015)
يقول الإمام النووي – رحمه الله- :"قوله (ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ:يا رَبِّ، يا رَبِّ إلى آخره ) معناه والله أعلم أنه يُطيل السفر في وجوه الطاعات كحج وزيارة مستحبة وصلة رحم، وغير ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم (وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ) هو بضم الغين وتخفيف الذال المكسورة قوله صلى الله عليه وسلم (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) أي من أين يستجاب لمن هذه صفته وكيف يستجاب له؟! ".الشرح النووي على صحيح مسلم (7/ 100)
يقول الإمام ابن رجب – رحمه الله- :"هذا الكلام أشار فيه صلى الله عليه وسلم إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابته وإلى ما يمنع من إجابته ".جامع العلوم والحكم (ص 105)
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :(فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ) بعيد أن يستجيب الله لهذا الرجل، الذي هو أشعث أغبر، يمد يديه للسماء: يا رب يا رب، ومع ذلك يبعد أن الله يستجيب له؛ لأنه يأكل الحرام". شرح رياض الصالحين (2/474)
وعليه أن يحذر كذلك أشد الحذر من استعجال الإجابة بعد دعائه الكريم المقتدر، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أَنَّ رسول الله عليه وسلم قال:" يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ ما لم يَعْجَلْ، فيقول: قد دَعَوْتُ فلا أو فلم يُسْتَجَبْ لي ". رواه البخاري (5981) ومسلم (2735)
يقول الإمام ابن بطال – رحمه الله- :" قال بعض العلماء : قوله : (ما لم يَعْجَلْ) يعنى يسأم الدعاء ويتركه فيكون كالمانِّ بدعائه، وأنه قد أتى من الدعاء ما كان يستحق به الإجابة ، فيصير كالمبخِل لربٍّ كريم ، لا تُعجزه الإجابة ، ولا يُنقصه العطاء ، ولا تَضره الذنوب ".شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 10 / 100)
وليعلم أنه سيقطف ثمرة دعاءه في دنياه أو في أخراه إذا أخذ بالأسباب وابتعد عن كل ما يخالف الحق والصواب بإذن وعون العزيز الوهاب، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ ليس فيها إثم وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إلا أَعْطَاهُ الله بها إِحْدَى ثَلاَثٍ: إما أَنْ تُعَجَّلَ له دَعْوَتُهُ، وإما أَنْ يَدَّخِرَهَا له في الآخِرَةِ، وإما أَنُْ يَصْرِفَ عنه مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا"، قالوا: إِذاً نُكْثِرُ ؟ قال:" الله أَكْثَرُ ". رواه الإمام أحمد (3/18)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله- في صحيح الترغيب (1633)
يقول الملا علي قاري – رحمه الله- :"(ما من مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ ليس فيها إثم) أي معصية قاصرة (وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ) ، أي سيئة متعدية (إلا أَعْطَاهُ الله بها)أي بتلك الدعوة (إِحْدَى ثَلاَثٍ)أي من الخصال(إما أَنْ تُعَجَّلَ له دَعْوَتُهُ) أي بخصوصها أو من جنسها في الدنيا في وقت أراده إن قدّر وقوعها في الدنيا(وإما أَنْ يَدَّخِرَهَا) أي تلك المطلوبة أو مثلها أو أحسن منها أو ثوابها وبدلها. (له) ، أي للداعي (في الآخِرَةِ)، أي إن لم يقدر وقوعها في الدنيا ، (وإما أَنُْ يَصْرِفَ) أي يدفع(عنه مِنَ السُّوءِ) ، أي البلاء النازل أو غيره في أمر دينه أو دنياه أو بدنه (مِثْلَهَا ) أي كمية وكيفية إن لم يقدر له وقوعها في الدنيا والحاصل أن ما لم يقدر له فيها أحد الأمرين إما الثواب المدخر ، وإما دفع قدرها من السوء وفيه زيادة على الحديث السابق إن ما لم يقدر يدفع عنه من السوء مثله . ( قالوا : ) أي بعض الصحابة (إِذاً ) قال ابن حجر : أي إذا كان الدعاء لا يرد منه شيءٌ ولا يخيب الداعي في شيء منه (نُكْثِرُ) ، أي من الدعاء العظيم فوائده...( قال ): أي النبي صلى الله وعليه وسلم (الله أَكْثَرُ) بالمثلثة في الأكثر وفي نسخة بالموحدة فمعناه الله أكبر من أن يستكثر عليه شيءٌ،وأما على الأوّل فقال الطيبي:أي الله أكثر إجابة من دعائكم،والأظهر عندي أن معناه فضل الله أكثر أي ما يعطيه من فضله وسعة كرمه أكثر مما يعطيكم في مقابلة دعائكم أو الله أغلب في الكثرة يعني فلا تعجزونه في الاستكثار، فإن خزائنه لا تنفذ وعطاياه لا تفنى ". مرقاة المفاتيح ( 5 / 134)
فعلينا جميعا أيها الأفاضل أن نحرص على القيام بهذه العبادة الكريمة مع الاعتناء بآدابها وما يُستحب فيها كمراعاة الأوقات التي يُستحب فيها الدعاء، وكذلك رفع اليدين عنده، و أيضا صدق الالتجاء والطلب والتضرع إلى العزيز الكريم، و أن نحذر أشد الحذر من الاعتداء والتجاوز فيه،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"الدعاء ليس كله جائزا بل فيه عدوان محرم والمشروع لا عدوان فيه وأن العدوان يكون تارة في كثرة الألفاظ وتارة في المعاني ". مجموع الفتاوى ( 22 /474)
وأن نصبر ولا نستعجل الإجابة و الثمرة، يقول الإمام ابن الجوزي – رحمه الله- :" رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء، وتطول المدة، ولا يرى أثرًا للإجابة، فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر، وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب". صيد الخاطر ( ص82)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُوفقنا جميعا لتحقيق ما ينفعنا في الدارين، ومن ذلك أن نكون له في كل وقت من الطائعين، وعلى دعائه من الحرصين، وعلى نعمه من الشاكرين وعلى معصيته من التائبين المستغفرين فهو سبحانه ولي ذلك وأرحم الراحمين.
 

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



- انشر الخبر -